عندما كنت طفلا فصبيًّا كانت لي طبيعة غريبة لم أدرك حينها أنها تنبئ عن أشياء ما ستحدث مستقبلا، وأظن أن الأيام فسرتها شيئًا فشيئًا؛ إذ كنت معنيًّا دون قصد بتحليل الخطاب وتفكيك الأسلوب في إطار فهم السياقات والأنساق دون سابق معرفة أو إنذار أو حتى تلويح من بعيد لملاك الأسلوبية..
وكأن القدر كان يُعدًني لأمر عظيم وجلل، وهو أنني سأصير يومًا ما شاعرًا وباحثًا..
ولك أن تتخيل كم العظمة التي يعيشها إنسان شاءت له الأقدار أن يجمع بين كونه مصريًّا عربيًّا دمنهوريًّا مدرسًا باحثًا شاعرًا
كان يلفت نظري في الصغر نصيحة يوجهها الآباء والمدرسون لنا وعادة ما تقال بصوت منخفض من فرط الحكمة أو بصوت يتوعد من فرط القوة، النصيحة هي:
ابتعد عن أصدقاء السوء!!
كثيرًا ما دفعتني تلك العبارة إلى البحث عن أصدقاء السوء هؤلاء وأسأل نفسي ترى من هذا الذي لم يبتعدوا عنه فانحرفوا
وتلك كانت إرهاصة أولى للبحث عن الأقليات من عينة:
أعداء الدين
القلة المندسة
حزب أعداء النجاح
الكلاب التي لا يحلو لها العواء إلا أثناء سير القافلة
حاولت أن أفكك تلك الثوابت
مثلا الكلاب طابعها العواء وهي حيوانات لا تعقل، ثم ماذا يضير القوافل من عوائها لم أستطع حتى الآن معرفة الحقيقة الكامنة
مرت الأيام ومازالت تمر وأرى أن أعظم ما في الحياة هو الصداقة
وأظن أنني صديق لا بأس به أو على أسوأ التقديرات سيكون بأسا محدودا
كنت محظوظا بتنوع أصدقائي ومحبتهم المخلصة لكن
والخوف كله مما بعد لكن
أصدقاء الوسط الأدبي هل هم برآء( شايف المفردة) أيوا يا سيدي هل هم برآء من احتمالية كونهم من أصدقاء السوء؟!
يلزمني أولا أن أضبط معكم مصطلح صديق السوء
الأمر سيختلف باختلاف مراحل العمر
فمثلا، صديق السوء في الابتدائي سيحرضن
على سرقة الساندوتشات والحلويات
صديق السوء في الإعدادي سيحرض على التزويغ من المدرسة للعب كرة القدم
صديق السوء في الثانوي سيحرض على الصور الجنسية والتدخين وربما ما يفوق التدخين
لكن هل هناك صديق سوء ينجح في تحريضك على ما ليس فيك في الأربعين والخمسين؟!
تعرفت الشاعر الكبير بهجت صميدة خميس عام ١٩٩٥ كنت في الرابعة والعشرين من عمري، وهو كما هو الآن هادئ، متزن، لا يظهر انفعالاته، حليم، متأنٍّ كان بدهيًّا أن أنتبه لصفاته فحينها لم يكن لي منها نصيب، لكنني لم أغبطه ولم أستنكره أحببته كما هو
ظل قرابة العشرين عاما يحاول منفردا- ننتبه إلى مفردة منفردا- أن يقلل من عصبيتي وانفعالاتي الزائدة وللأمانة لا الرجل نجح ولا يئس ولا ملّ، ولا أنا استجبت
ثم منّ الله عليّ في ٢٠١٤ بصداقة الشاعر والكاتب الكبير أشرف البولاقي فوجدت فيه ضالة بهجت التي كان ينشدها في
أشرف ينفعل ويحزن لكنه يكتم غضبه، يطيل باله، يصبر على سوء فهم الآخر
إحقاقا للحق تسرّبت إلي شيئًا فشيئًا سمات بهجت وأشرف وقد أعانهما بكفاءة استثنائية سنتا ٢٠١٨، و٢٠١٩ أستطيع أن أضع عنوانا لهما:
(الحكمة جتلتني) على رأي عبد الرحيم منصور عبر موسيقى منيب وصوت منير..
بدأت ألمس في نفسي تغييرا يحدث شيئًا فشيئًا حدة غضبي بدأت تقل، تتباعد، تختفي
اكتشفت أنني كالآخرين لدي غدة تفرز ما يعرف باسم الصبر
صرت طويل البال متسع الصدر أتقبل بكل رحابة ولياقة انتقاد الآخر وهجومه وتطاوله أحيانا
وأظن صفحتي على الفيس خير دليل
لكنني
كثيرا ما ألعن في سري صديقيّ السوء بهجت وأشرف على ما فعلاه بي
ألمح أحيانا تعليقا متجاوزا جدا لشخص ذكرا كان أم أنثى كان يخاف في الماضي أن يتصفح تويتر لو علم أنني على الفيس، فإذ به يتجرأ علي ويتطاول ويتهكم
لو مد الله في عمري بعد بهجت وأشرف خمس سنوات- ضروري خمس سنوات على الأقل للتأكد من زوال تأثيرهما- حتما سأرد على كل المتطاولين الذين لم يغرهم بي حلمي فقط
بل حلمي وبهجت وأشرف